في سطور بين الماضي والحاضر

التصنيفات: مواد ينصح بها فضيلة الشيخ عدد الزيارات : 40033

أبو ذر القلموني

عبد المنعم بن حسين

في سطور بين الماضي والحاضر:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)} [آل عمران].

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)} [النساء].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)} [الأحزاب].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

لقد تخرجت من كلية الحقوق جامعة عين شمس دور مايو 1974 م بتقدير: جيد، ولم يكن وقتها العمل بالتقدير التراكمي، وهنا أوضح بعض الأمور

1ـ قمت بدراسة كل المواد الخاصة بالسنة الرابعة (الليسانس) قبل بدء الدراسة أربع مرات إلا القليل منها، وذلك بدار الكتب المصرية بالقاهرة، حيث كنت أجلس فيها من الصباح حتى أذان العصر.

2 ـ كانت كلية الحقوق وقتها من كليات القمة بالنسبة للقسم الأدبي.

3 ـ  كانت كلية الحقوق جامعة عين شمس وقتها تتسم بالصعوبة مقارنة بكلية الحقوق جامعة القاهرة، حيث كان تقدير الحاصلين على جيد جداً في السنة الدراسية الواحدة في كلية الحقوق جامعة عين شمس، لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، وأحيانا كان لا يتجاوز في كل السنوات الدراسية: الأولى والثانية والثالثة والرابعة أصابع اليد الواحدة أيضا، كما يظهر ذلك من لوحة الشرف المعلقة بالكلية.

4 ـ كانت كلية الحقوق بجامعة القاهرة تستحوذ على تعيينات النيابة العامة لسهولة الحصول على تقدير جيد جداً.

5 ـ في السنة التي قد تخرجت فيها وهي 1974 م حدث لأول مرة التنسيق بين الجامعات في تعيينات النيابة العامة، بحيث تؤخذ نسبة من الأوائل في كليات الحقوق في كل جامعة حسب عدد الطلبة، ولا يشترط الحصول على تقدير جيد جداً، وذلك لإتاحة الفرصة أمام الجميع كما قالوا، وبالتالي لأول مرة يؤخذ منها تقدير جيد.

6 ـ في كل سنوات الدراسة ومن قبل كنت أدعو بهذا الدعاء ـ والذي قد حفظته من والدي رحم الله أموات المسلمين ـ وهو: اللهم وفقني لما تحبه وترضاه.

7 – شاء الله تعالى أنه قد جاءني الترشيح للنيابة العامة، ولكن ـ من فضل الله عليَّ ـ أنه عند المقابلة الأمنية، أقصوني من التعيين في النيابة العامة، وذلك لظهور بعض آثار التدين عليَّ، فسجدت شكرا لله تعالى متذكرا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( وأسألك الرضا بعد القضاء ) (صحيح) [ن ك] كذا في صحيح الجامع.

8 ـ بعد عدة أشهر من التخرج، أردت أن أبتعد عن العمل بوزارة العدل بُعداً عن القانون، فاخترت العمل بوزارة التجارة فعُينت فيها بوكالة الوزارة، ولما حان وقت صلاة الظهر أذنت بين غرف المكاتب تذكيرا للناس بوقت الصلاة، فأجبروني أن أختار مكانا آخر في مبنى آخر بالوزارة، وهناك رأيت الاختلاط في المكاتب بين الرجال والنساء في العمل دون مخالفات شرعية قدر الإمكان، حتى إنه في لحظات معينة لم يعد معي رجال في نفس المكتب، فوجدت نفسي الرجل الوحيد بين سبع نسوةـ ولا أدري هل كان هذا عن قصد ـ حتى إنهم قد استبدلوا المدير من الرجال بمديرة من النساء، فلم أطق ذلك فقمت بتقديم استقالتي من العمل، ولم أكتب فيها فقط إلا ما يلي: الأستاذ (… ) أقدم استقالتي من اليوم (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً.  وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [ الطلاق 2: 3 ]

10 ـ بعدها قمت بالتنقل بين عدة أعمال خاصة: أقوم بهذه وأترك تلك، وفي النهاية استقر بي الحال في تجارة معينة طيبة، كنت أعمل فيها فترة قليلة لا تجاوز الساعتين لمدة ربع قرن، حيث كنت أزاول هذه التجارة على الرصيف أمام المخبز الآلي بميت عقبة بالجيزة، قريبا من […] الزمالك، هدى الله الجميع للرياضات المشروعة. وكنت والله أرى البركة من الله تعالى في الرزق، بدرجة لا تخطر على بال أحد، مهما قلت ومهما وصفت، ومن نعمة الله عليَّ، لم يدخل جوف أولادي الحرام، ومن فضل الله عليَّ، ما كان يذهب مني وقت سدى، ففي خلال وقت عملي هذا كنت أقوم بدراسة بعض الكتب.

11ـ بعد أن صرف الله عني التعيين بالنيابة العامة، أكرمني الله تعالى بحفظ القرآن كاملا في فترة وجيزة أيضا. ولم آخذ أجرة قط على الدعوة إلى الله بأي شكل من الأشكال، غير مُحرِّمٍ ذلك، حُكي أن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، بعث يزيد بن أبي مالك الدمشقي، والحارث بن يمجد الأشعري، يفقهان الناس في البادية، وأجرى عليهما رزقا، فأما يزيد فقبل، وأما الحارث فأبى أن يقبل وقال: ما كنت لآخذ على علم علمنيه الله أجرا، فكتب إلى عمر بن عبد العزيز بذلك، فكتب عمر قائلا: إنا لا نعلم بما صنع يزيد بأساً، وأكثر اللهُ فينا مثل الحارث بن يمجد.

وأذكر مرة كنت في عمرة وأنا في العشرينات من عمري. وأثناء سفري ألقيت درسا بمسجد الملك بجدة، وبعد انتهاء الدرس جمعوا لي ـ جزاهم الله خيرا ـ مبلغا من المال، فرفضت بأدب قائلا: {وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ} [هود:29] رغم أنني كنت محتاجا للمال آنذاك.

13 ـ لم أكتف بالدعوة فقط في المسجد، بل كنت عندما أركب المواصلات خاصة العامة، أجلس على الكرسي من أعلى، وأعطي درسا من أول ما أركب حتى مكان وصولي، وكان الناس ينصتون إليَّ إنصاتا كاملا، فكنت أرتل القرآن، وأتكلم في نفس المواضيع التي في كتاب: (ففروا إلى الله ) باختصار، وأقول في نفسي: يا رب كيف يصل صوتي إلى سائر الناس، فيسَّرَ الله لي ذلك عن طريق كتاب: ( ففروا إلى الله ).

ومن اللطائف: أنني كنت ممن دعا إلى الله تعالى في بداية الصحوة أيام الشيخ عبد اللطيف مشتهري والشيخ عبد الحميد كشك رحمهما الله تعالى، وكنت أسكن في حي الظاهر بالقاهرة، وقبل بناء مسجد أمهات المؤمنين،  فمن أجل تطبيق السنة كنا نصلي في حارة سد بشارع القبيسي، نفرش فيها الحصر ونصلي، وهناك مكبر صوت للأذان وصلاة الجمعة، وعندما ينزل المطر كنا نمسح الأرض ثم نفرش الحصر مرة أخرى، ولم يكن هذا المصلى مسقوفا. وعندما تزوجت انتقلت إلى ميت عقبة بالجيزة، وكانت السُنة آنذاك نادرة، وعدد الإخوة في غاية القلة، فكنا بفضل الله تعالى نطيل الصلاة في مسجد التقوى، خاصة الفجر والظهر والمغرب، أما إطالة الصلاة في صلاتي العصر والعشاء فخلاف السنة، وأذكر أننا كنا نصلي التراويح في رمضان بثلاثة أجزاء بالتوسط، فكان عددنا يصل إلى عشرين، وأحيانا يصل إلى عشرة، وأحيانا يصل إلى خمسة، وأحيانا أنا والأخ المؤذن، ثم فتح الله علينا بعد ذلك.

ما أدين الله به:

1 ـ قول الله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) [آل عمران: 3] وأن الفرقة بين المسلمين لا تأتي إلا من شيئين:

أولا: البعد عن ذكر الله تعالى خاصة تلاوة القرآن الكريم.

ثانياً: عدم دعاء المسلم لأخيه بظهر الغيب.

2 ـ أرى أن قلبي يسع كل المسلمين بشرط ألا يشرك بالله شيئا ولا يُكفر مسلمًا، ولقد رأيت كثيرًا من علماء المسلمين الأموات في الرؤيا بما فيهم ابن تيمية وابن القيم والمناوي والألباني وابن عثيمين والشيخ حسن البنا رغم أني لم أقرأ له إلا أربعين صفحة، وما ذلك إلا من سلامة القلب لكل المسلمين.

 

3 ـ لا يوجد من يستطيع أن يختلف معي من أهل السنة والجماعة، لأني سأكثر له من الدعاء بظهر الغيب.

4 ـ ومما أدينُ الله به أيضًا: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كلٌ ميسرٌ لما خلق له) [ متفق عليه ]. وأن كل طائفة من طوائف المسلمين تقف على ثغر من ثغور الإسلام، وأُشبِّه ذلك بقصة العُمي الثلاثة الذين أمسك واحد منهم برقبة الفيل وآخر ببطنه وثالث برجله، وكل واحد منهم يقول: إن هذا هو الفيل، وهو لا يرى ما رآه الآخران، فهناك مَن إذا أخطأت في القرآن يغضب: وهذا من حفظ الله للإسلام. وهناك مَن إذا أخطأت في العقيدة يغضب: وهذا من حفظ الله للإسلام. وهناك مَن إذا أتيت بحديث ضعيف يغضب: وهذا من حفظ الله للإسلام. وهناك مَن إذا لم تتكلم في السياسة يغضب: وهذا من حفظ الله للإسلام. وهناك مَن إذا لم تخرج في سبيل الله يغضب: وهذا من حفظ الله للإسلام. ويحضرني في هذا قول الشاعر:

لا تقل عن شيء ما ذا ناقصٌ   جيء بأوفى ثم قل ذا أكملُ

قال ابن القيم رحمه الله تعالي في كتابه زاد المعاد:

(فَصْلٌ فِي أَلْفَاظٍ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْرَهُ أَنْ تُقَالَ: وَمِنْهَا: الدُّعَاءُ بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ، وَالتَّعَزِّي بِعَزَائِهِمْ، كَالدُّعَاءِ إِلَى الْقَبَائِلِ وَالْعَصَبِيَّةِ لَهَا وَلِلْأَنْسَابِ، وَمِثْلُهُ التَّعَصُّبُ لِلْمَذَاهِبِ، وَالطَّرَائِقِ، وَالْمَشَايِخِ، وَتَفْضِيلُ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ بِالْهَوَى وَالْعَصَبِيَّةِ، وَكَوْنُهُ مُنْتَسِبًا إِلَيْهِ، فَيَدْعُو إِلَى ذَلِكَ وَيُوَالِي عَلَيْهِ، وَيُعَادِي عَلَيْهِ، وَيَزِنُ النَّاسَ بِهِ، كُلُّ هَذَا مِنْ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ).

5 ـ وختاماً: سُئل أحد السلف إلى أي مدى تحب أخاك في الله؟ قال: إلى أن أعطيه إحدى عيني، معتذراً عن الأخرى حتى أراه بها.

والسلام عليكم ورحمة الله.

هذه المواد من أراد أن ينشرها فلينشرها دون إذن وليتق الله فيها.